في الشوارع المزدحمة . كنت أتفحّص وجوها بصمها الموت مسبقا . تساقطت ملامحها . اختلطت عليّ الوجوه و تداخلت . أصبح الكلّ واحدا و الواحد كُلّا و لا فرق بين هذا و ذاك . وجوه باهتة بلا أعين تشرئبّ إلى غد طال انتظاره و طال اليأس ناظره حتى دبّ الموت في أوصاله . بلا شفاه تُطبق و تفترّ لتوحي بشيء ممّا يسكن دواخلنا و يثقل كواهلنا ، لتقول ها نحن هنا بأوجه لونتها الحياة و خطّت عليها الأيام و بصمها الزمن ببصمته القاسية . ها نحن هنا كلٌّ بوجهه الخاصّ يعبّر به عن غضبه و رضاه ، عن رفضه و قبوله . بلا أهداب تُسدل الستار عن نظراتنا الخائبة حين تقع على ما لا يروقها فتخفي تَبَرُّمَها و امتعاضها . بلا نظرات أو ابتسامة أو حواجب معقودة أو أسارير تهللت حينا و تكدّرت أحيانا لعذب الحياة و مُرّها ..
نحن اليوم واحد و لكن وحدتنا لا تعني الاتحاد و ليست وحدة واعية بما نريد أن نحقّقه و ليست تعني الاجتماع على أهداف إنسانية سامية ، و لكنها وحدة بمعنى الانصهار و الذوبان و التداخل و الالتفاف داخل القطيع ، و الالتزام بنواميسه و ضوابطه في دورة حياتية تبدأ ب "نعم" و تنتهي ب"نعم" . كل من يلتقط ملامحه و يسعى إلى تثبيتها على وجهه المبهم يتمّ تكفيره و التبرّأ منه و ربما عزله أو حتى التخلّص منه . إنه يتّخذ له وجها و ملامح على غير ما يكرّسه و يُقرّه دين القطيع !
مفيدة بن علي